أمة الإسلام : يُستقبل شهر رمضان بالتوبة النصوح ، وترك المحرمات ، والعودة إلى رب البريات ، يجب الإقلاع عن المعاصي في كل وقت وحين ، ولا سيما في شهر الرحمة والغفران والعتق من النيران ، فأي خسارة يخسرها المرء عندما يدخل عليه رمضان ثم يخرج ولم يزدد فيه حسنة ، ولم يتقرب فيه من الله درجة ، لذلكم هو الخسران المبين ، قال صلى الله عليه وسلم : " إن في الجنة باباً يقال له الريان ، يدخل منه الصائمون يوم القيامة ، لا يدخل منه أحد غيرهم ، فإذا دخلوا أُغلق ، فلم يدخل منه أحد " [ أخرجه البخاري ومسلم ] فاحرص يا عبد الله أن تكون ممن يدخل من ذلك الباب يوم القيامة ، واحذر أن يغلق في وجهك ، فذلك هو الصغار والعار والشنار ، قال صلى الله عليه وسلم : " فإذا دخل آخرهم أُغلق ، من دخل شرب ، ومن شرب لم يظمأ " [ أخرجه ابن خزيمة وهو حديث حسن صحيح ] ، ما أعظم رمضان ، وما أروع هباته وعطاياه ، يصوم العبد امتثالاً لأمر ربه ، فتكون المكافأة جزيلة ، والعطية كبيرة ، أخرج الإمام أحمد وابن خزيمة بسند صحيح قوله صلى الله عليه وسلم : " الصيام جنة من النار ، كجنة أحدكم من القتال ، وصيام حسن ثلاثة أيام من كل شهر " ، ألا فأكرم بشهر رمضان والقرآن شفيعاً لصاحبه يوم القيامة ، وحجيجه من النار ، أخرج ابن أبي الدنيا وغيره بسند حسن من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ، يقول الصيام : أي رب منعته الطعام والشهوة ، فشفعني فيه ، ويقول القرآن : منعته النوم بالليل ، فشفعني فيه ، قال : فيُشفعان " ، فاجتهدوا عباد الله في تلاوة كتاب الله ، آناء الله وأطراف النهار ، فالقرآن إما شاهد لك أو عليك ، قال تعالى : " وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً " ، ثم اعلموا أيها الناس أن من أفطر يوماً من رمضان بلا عذر فقد تعرض للوعيد الشديد ، والعذاب الأكيد ، فعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " بينما أنا نائم أتاني رجلان ، فأخذا بضبعي ،فأتيا بي جبلاً وعراً ، فقالا : اصعد ، فقلت : إني لا أطيقه ، فقال : إنا سنسهله لك ، فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل إذا بأصوات شديدة ، قلت : ما هذه الأصوات ؟ قالوا : هذا عواء أهل النار ، ثم أُنطلق بي ، فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم ، مشققة أشداقهم ، تسيل أشداقهم دماً ، قلت : من هؤلاء ؟ قال : الذين يفطرون قبل تحلة صومهم ـ أي الذين يفطرون قبل غروب الشمس ـ " [ أخرجه النسائي وابن حبان وابن خزيمة وصححه الألباني ] ، اخوة الإيمان : كتبت ما قلت وسمعتم ، فالخير ما وفقت إليه ، والشر ما أعرضت عنه ، والله نعم المولى ونعم النصير ، واستغفر الله أن أقول عليه بلا علم ، فاستغفروا ربكم إنه كان غفاراً .
اخوة الإيمان : نستقبل شهر رمضان بالعودة الصادقة إلى الله تعالى ، وهجر المنكرات ، وترك الصغائر والموبقات ، فعليكم بصلة الأرحام وبر الوالدين ، وإياكم وقطع الرحم ، وعقوق الوالدين ، فهي أعمال تؤدي على النار ، وغضب الواحد القهار ، استقبلوا شهركم بترك الدخان والخمور والمسكرات ، فهي المهلكات المدمرات ، وتجنبوا طرق الفساد ، وإيذاء العباد ، وإياكم والزنا والربا ، فهي الحرب على رب الأرض والسماء ، احذروا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، كي تنعموا بالأمن والأمان في الوطن ، هكذا فلنستقبل شهر رمضان المبارك ، ومن تقاعس عن التوبة فليتدارك .
أيها المسلمون : شهر رمضان ، شهر الخير والبر والنماء ، شهر الجود والكرم والعطاء ، فلا تنسوا إخوانكم الفقراء والمساكين ، والأرامل والمعوزين ، والأيتام والمحتاجين ، فمنهم من تمر عليه الليالي لا يجد لقمة يفطر عليها ، أو شربة يمسك بها ، وأنتم تتقلبون في نعم وخيرات ، وعطاياً وهبات ، فأروا الله من أنفسكم خيراً ، آتوهم من مال الله الذي آتاكم ، ولا تبخلوا ، فإنه من يبخل فإنما يبخل عن نفسه ، والله الغني وأنتم الفقراء ، إخوانكم الفقراء أمانة بين أيديكم ، يسألكم الله عنهم يوم القيامة ، فما أنتم قائلون ؟ فقر مدقع ، وجوع موجع ، وذل مفجع ، فاسألوا عنهم الثقات ، من الأئمة الأثبات ، فهناك الخبر اليقين ، والمرشد المعين .
أمة الإسلام : استقبلوا شهركم بالغبطة والفرح والسرور ، وترك مواطن الشرور ، والعودة إلى علام الغيوب ، وستار العيوب ، وتأملوا رحمكم الله أوضاع الدول حولكم ، وما حل بها من خراب ودمار ، حروب طاحنة ، فيضانات عارمة ، أعاصير جاثية ، رياح عاتية ، براكين مدمرة ، زلازل مهلكة ، أمراض فتاكة ، ويلات ونكبات ، فتن ومحن ، ليس لها من دون الله كاشفة ، أمعنوا النظر ، كيف وقع غضب الله تعالى بمن عصاه ، وترك أمره واتبع هواه ، أرض خضراء يانعة ، وقصر مشيد ، أصبحت بعد العمار دماراً ، وبعد العين أثراً ، عقوبة من الله لعباده إذا تركوا أمره ، وارتكبوا نهيه وزجره ، فكانت العاقبة : " وضرب مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون " ، فتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ، واتقوا الله عباد الله ، واحذروا مواطن سخطه ومقته ، وتجنبوا طرق غضبه وعذابه ، إن عذاب ربك كان محذوراً ، هذا وصلوا وسلموا على النبي محمداً ، فقد أمركم بذلك ربكم جل وعلا ، فقال قولاً كريماً حكيماً : " إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً " اللهم صل وسلم وبارك على محمد وعلى آل محمد ، وعلى الخلفاء الراشدين ، الأربعة المهديين ، وعلى جميع الصحابة والتابعين ، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداء الدين ، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم آمنا في أوطاننا ، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم بلغنا شهر رمضان ، واجعلنا فيه من العتقاء من النيران ، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين ، اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين ، ونفس كرب المكروبين ، واقض الدين عن المدينين ، واشف مرضانا ومرضى المسلمين ، برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم وفق ولي أمرنا بتوفيقك ، وأيده بتأييدك ، واجعل عمله في رضاك يارب العالمين ، اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك في كل مكان ، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم ، اللهم عليك باليهود والنصارى ، اللهم أحصهم عددا ، واقتلهم بددا ، ولا تغادر منهم أحداً ، اللهم أنزل عليهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار ، وأدخلنا الجنة مع الأبرار ، يا عزيز يا غفار ، عباد الله : نعم الله عليكم تترا ، وخيراته شتى ، فاشكروا ربكم على نعمه يزدكم ، واحمدوه على خيراته يعطكم ، واذكروه في كل أحوالكم يتولاكم ، فلله الحمد من قبل ومن بعد ، والصلاة والسلام على خير المرسلين ، وأقم الصلاة ، إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .